الصحافة

موسى الصدر: إنّي بريء من المجلس الشيعي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قام الامام موسى الصدر في آب 1978 بأخطر رحلة في حياته عندما توجه الى ليبيا للقاء حاكمها معمر القذافي.

وتسببت هذه الرحلة باختفاء آثاره وآثار رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي بدر الدين لغاية اليوم. وحمل أنصاره ومحبوه الكثر في لبنان والمنطقة لواء قضية الكشف عن مصيره وعودته سالماً مع رفيقَيه مجدداً الى الوطن. لكن هذه القضية افتقدت ولا تزال الجواب على سؤال عن الهدف الذي سعى اليه الامام الصدر في زيارته لليبيا. فهل من أسباب لغياب هذا الجانب من قضية الصدر؟

أضاءت أربعة مقالات حملت عنوان "الإمام موسى الصدر والشيعة اللبنانيون والفلسطينيون في لبنان"، ونشرت عام 2021 على جانب من الهدف الذي سعى اليه الصدر في آخر مراحل نشاطه قبل اخفائه في ليبيا القذافي.

وكتب هذه المقالات تريستان هيليون – لوني ونشرها في دفاتر المعهد الفرنسي للشّرق الأدنى.

وانبثقت المقالات من مسحٍ ميدانيّ أجريَ في لبنان في شتاء العام 2020، في إطار رسالة ماجيستير وأطروحة دكتوراه في التّاريخ في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة في باريس (EHESS) بعنوان: Amal et les guerres du Liban 1975 – 1990, Histoires croisées بهدف إبراز التّقاطعات المشار إليها أعلاه.

ركّزت المقالة الأولى على وضعيّة الشيعة والفلسطينيين من الاستقلال إلى عشيّة اندلاع الحرب الأهليّة. في حين، عنت المقالة الثّانية بالسّياقين الجيوسياسيّ الإقليميّ والسّياسيّ والعسكريّ المحلّيّ اللّذين ربطا الشيعة والفلسطينيين. أمّا المقالة الثّالثة؛ فتناولت العلاقات الاستراتيجيّة الّتي انعقدت بين مؤسّس حركة المحرومين (أمل لاحقًا) الإمام موسى الصّدر وياسر عرفات في بداية السّبعينيّات. وتتناول المقالة الرّابعة والأخيرة الخصومات والتّوتّرات والمواجهات بين هذين القطبين منذ بدايات حرب لبنان وصولًا إلى اختفاء القائد الكاريزميّ لحركة "أمل" في ليبيا في العام 1978.

وجاء في خلاصة المقال الأخير: "بعد اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة، اشتدّت المنازعات والتّوتّرات والتّباينات بين "أمل" ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة. وإذا كان الإمام موسى الصّدر، الّذي رفض الانخراط في مواجهةٍ مع الفلسطينيّين، قد تمكّن من احتواء حماسة مناصريه واستيائهم؛ فإنّ إخفاءه في ليبيا في العام 1978 افتتح مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين "أمل" والفصائل الفلسطينيّة. فالتّوتّرات الكامنة، الّتي كانت تنزلق أحياناً إلى اشتباكات خطيرة، تحوّلت بعد تغييب الإمام موسى الصّدر إلى صدامات حقيقيّة ومعارك ضارية، بالتّحديد بين العامين 1978 و1982 وإبّان حرب المخيّمات (1985-1988).".

وتكتمل الصورة للفصل الأخير من وجود الإمام الصدر في لبنان بما قاله الصدر نفسه في ذلك الفصل. ونشر موقع الإمام الصدر الإلكتروني مقابلة أجرتها مع الصدر مجلة LE NOUVEL OBSERVATEYUR الفرنسية في الرابع من آذار 1978، أي قبل نحو ستة أشهر من اختفاء الإمام في ليبيا. في هذه المقابلة وصف الصدر جنوب لبنان بأنه "النقطة الأكثر تفجراً في المنطقة بصفتها الجبهة الشمالية لإسرائيل". وقال انه "لم يعد هناك من وجود للإدارات المدنية أو العسكرية اللبنانية. كما أن السلطة المركزية مفقودة منذ بداية الأحداث عام 1975.

وهكذا نرى كيف أن الفلسطينيين بصفتهم المسلحين الوحيدين، بدوا الضمانة الوحيدة لحفظ الأمن ضد إسرائيل.

ولكن سريعاً جداً وبعد الاحتكاك بهم، إرتكب بعض الفدائيين تجاوزات كبيرة بحق المواطنين". وسألت المجلة الإمام: "هل تخشى من عدم القدرة على تهدئة الشعب فترة أطول؟" فأجاب: "نحن، بصفتنا مسلمين شيعة، لنا إرتباطات وثيقة مع الفلسطينيين، ويعود هذا بدون شك إلى أننا عشنا سوية فترة طويلة في جنوب لبنان وفي ضواحي بيروت، ولأننا أيضاً، الفئات الأكثر حرماناً في لبنان. ومنذ عام 1948 أبدى اللبنانيون في الجنوب مواقف بطولية، فرفضوا دائماً إجراء أي تعاون إقتصادي مع الإسرائيليين برغم إهمال الحكومة اللبنانية لهم إهمالاً تاماً. ومنذ عام 1965 وحّدوا قواهم مع الفلسطينيين، وأغلب الأحيان كانوا يدفعون دمهم ثمناً لذلك. لكن اليوم، هناك اليأس والاستياء عند الجميع وأحاول جاهداً جعلهم يتحلّون بالصبر، ونجحت في عدم تركهم يحملون السلاح ضد إخوانهم الفلسطينيين، السلاح الذي يعطى لهم بكثرة ومن جميع الجهات. منها إسرائيل بالطبع، وكذلك إيران. وفي محاولة لجعل المسلمين يشهرون السلاح في وجه الفلسطيني يستخدم شاه إيران منطق السياسة الأميركية نفسها في المنطقة ".

وسألت المجلة الإمام الصدر: "وكيف يحصل أن قادة المقاومة، الذين يجب أن يحسبوا حساباً لهذا الخطر لا يعملون على ضبط قاعدتهم؟ فأجاب: "أولاً، لأنهم في أرض غريبة وليس لديهم المجال الكافي، وثانياً وعلى الأخص لأنهم منقسمون، فداخل المقاومة الفلسطينية كل دولة عربية لها جناحها الذي تموله لخدمة مصالحها الخاصة: الجناح العراقي، الليبي، السعودي، ألخ… البعض يعتمد حتى أسوأ المواقف السياسية لمنع إقرار أي حل، أو أية مفاوضات قد تجري مع إسرائيل، لكن يجب على منظمة التحرير الفلسطينية ورغم كل شيء، ضبط قاعدتها للتوصل إلى حلّ بشأن الفوضى المتفشية في الجنوب. لقد ناقشت هذا الأمر، جدياً مع بعض قادة المقاومة. ويبدو أنهم مصممون فعلياً على ضبط عناصرهم. كما يجب على منظمة التحرير السماح للسلطات اللبنانية بممارسة واجباتها من جديد في الجنوب. وفي حال عدم حصول ذلك، فإن الوضع يزداد خطورة. وما يجري حالياً يبعث الخوف في نفسي. وفي حال عدم استتباب الأمن والهدوء بسرعة، سيتدخل الجيش الاسرائيلي بحجة حماية حدود بلاده، وسيقضي على المقاومة الفلسطينية. وفي حال إكمالها لخطتها حتى المحور الفاصل بين لبنان وسوريا – مرتفعات جبل الشيخ الاستراتيجية – سترى سوريا نفسها مهددة كذلك. وهذا يجر إلى حرب شاملة في لبنان".

تؤكد شخصيات بارزة في تلك المرحلة أن الصدر اطلق حملة اتصالات عربية شملت في صورة رئيسية سوريا أيام حكم حافظ الأسد والسعودية أيام الملك خالد بن عبد العزيز والجزائر إبّان حكم هواري بومديَن. وكان ختام هذه الحملة المأسوي في ليبيا. وسعى الصدر مع كل هؤلاء الزعماء للحصول على موافقاتهم لتحييد الجنوب عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

تفيد هذه المعطيات ان الزعيم الشيعي الديني الذي أسس نفوذاً لا مثيل له في تاريخ لبنان انطلق من تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وسعى الصدر عبر هذا المجلس كي يحيّد طائفته عن النفوذ الفلسطيني وامتداداته السياسية الداخلية والتي بلغت ذروتها عبر الحركة الوطنية بزعامة كمال جنبلاط. كان هدف المجلس الشيعي تحييد الجنوب عن الصراع مع إسرائيل.

وجاء اليوم لكي يصبح هدف المجلس نفسه توريط الجنوب وسائر لبنان في هذا الصراع. وتمترس النافذون في المجلس حالياً وراء ايران التي حلت مكان الفلسطينيين وامتداداتهم في لبنان والعالم. فصار ما كان يرفضه الصدر من توريط باسم الفلسطينيين مباحاً عند من خلفه لكون التوريط يأتي من طهران. هل هذا الاتهام في محله؟

2 نيسان

تقدم المجلس الشيعي في الثاني من الجاري "بإخبار الى النيابة العامة التمييزية، بوجه كل من يظهره التحقيق، فاعلاً أو شريكاً او متدخلاً أو محرضاً، في موضوع إطلاق الصواريخ مجهولة المصدر في الجنوب، وكل من تورط في نشر الخطاب التحريضي للعدو، والذي يؤدي الى زعزعة الاستقرار الداخلي ويحض على النزاع ببن الطوائف واضعاف الشعور القومي".

كان مفهوماً أن يركز اخبار المجلس على "الصواريخ المجهولة" التي دفعت لبنان عموماً والمناطق الشيعية خصوصاً إلى حلبة الانتقام الإسرائيلي الذي يتربّص بهذا البلد. لكن ما هو غير مفهوم أن يخلط الإخبار "الصواريخ" بما أسماه المجلس "الخطاب التحريضي"؟ كما يقال بالعامية "شو جاب لجاب"؟

لو كان المجلس هو ذاته الذي انشأه الصدر، لكان تقدّم منذ زمن بعيد بإخبارات حول توريط إيران وحزبها لبنان عموماً والشيعة خصوصاً بالكارثة التي حلّت بهما. هل من مبالغة في تصوّر أن يقول الصدر لو تحقق ذلك "إنّي بريء" من هذا المجلس؟

أحمد عياش

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا